التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

الفصل الثالث - خلف الطاولة.

  قبل عامين. بعد أن غربت الشمس، ودّع نيكولاس صديقه ليام وعاد إلى منزله. حيث استقبلته القطة السوداء وهي تجلس أمام الباب، تجاهلها، واتجه نحو الثلاجة، التقط زجاجة بيرة ثم جلس على الأريكة، كان قد تجرّع أكثر من نصف زجاجة البيرة قبل أن يضعها فوق الطاولة التي أمامه، ثم استلقى على الأريكة وأغمض عينيه، كان يريد أن يحظَ بغفوة يحاول فيها إراحة جسده وعقله المنهكين، ولكن لم تمر بضعة ثوانٍ حتى سمع صوت مواء تلك القطة بالقرب منه، فتح عينيه بصعوبة، ووجدها تقف أمامه فوق الطاولة، تحدق فيه بعينيها المتغايرتين. نزلت من على الطاولة، وراحت تتمشّى في أرجاء الغرفة، كان يتتبع خطواتها بعينيه، حتى توقفت واستقرت في مكانها المعهود الذي اعتادت أن تقف فيه، بجانب إحدى الطاولات، لم يأبه لأمرها وأغلق عينيه للمرة الثانية، ويبدو أن القطة كان لديها رأي آخر، لم تُرِد منه أن يأخذ قسطه من الراحة، وبدأت تموء مجددًا. تجاهلها، إلا أنها استمرت بالمواء بدون توقف، ذلك ما جعله يشتاط غضبًا ويلتقط زجاجة البيرة من فوق الطاولة ويرميها على الحائط بجانبها، وينطق في حنق: - "توقفي عن إزعاجي، عليك اللعنة!" حينها توقفت عن المواء
آخر المشاركات

الفصل الثاني

  قبل عامين. بينما كانت طيور النورس  تحلق في الأرجاء، كانا يقفان على حافة الجسر لم ينطق أحدهما بكلمة لمدة من الزمن، أحدهما اكتفى بأن يستند على سياج الجسر ويتفرّج على المارة، والآخر يمسك بيده سيجارة وينظر نحو أمواج البحر وهي تتلاطم اسفل الجسر، قطع الأول ذلك الصمت حينما رأى مجموعة من الصبية الصغار يتجولون في الجوار، حيث قال: - "لقد اعتدنا اللعب هنا كثيرًا في صغرنا، كنّا نهرب في بعض المرّات من الميتم لنأتِ إلى هنا." أجابه الآخر بنبرة ساخرة: - "كنت لأتشارك معك ذكريات طفولتنا السعيدة لو أنّي أتذكر." تجرّع القليل من سيجارته ثم نفثها وأكمل: - "لقد اتصلت الشرطة بي البارحة." نظر نحوه وسأل، ونظرة التأمل في عينيه: - "بخصوص لويلا؟ هل وجدوا شيئًا ما؟!" قابله نيكولاس ببرود: - "سوف يغلقون ملف القضية." - "ولِمَ؟" هز رأسه بالنفي: - "لا أعلم." صمت للحظات، ثم أردف: - "إنني أتساءل يا ليام،  لِمَ على الأمور أن تكون هكذا في مثل هذا الوقت؟ أكان عليها أن تختفِ قبل أن أفقد ذكرياتي اللعينة؟"  لم يجبه، لم يبدُ أن صديق

الفصل الأول - أين هيَ؟

  قبل عامين. فتح نافذته المطلة على الشارع المجاور، كان يأمل في كلّ مرّة يفتح فيها النافذة أن يرَ العالم بلونه الطبيعي ولكن ذلك قد بدا بعيد المنال خصوصًا في أواخر شهر ديسمبر، حيث أن كل ما يراه في كل مرة يفتح فيها النافذة هو اللون الأبيض يغطي أرصفة الشوارع وأسطح المباني والسيارات، لطالما كره منظر الثلوج الذي بات يطمر كل ركن من أركان المدينة، ومنظر تلك الأشجار العارية التي كان من المفترض أن تزيّن الشوارع، فضلًا عن جعل المدينة تبدو كقرية أشباح مرعبة، خصوصًا في بدايات كل صباح. غير أن الشعور بلفحات الهواء الباردة وهي تضرب وجهه وتحرك خصلات شعره، ورؤية المارّة يعبرون على الطريق وصوت الأطفال وهم يلعبون في الحديقة المجاورة كان يمنحه شعورًا بالراحة، شعورًا يذكّره بأن العالم لا يزال على ما يرام. أخرج علبة السجائر والقداحة من جيبه وأشعل سيجارة،  كان قد انهمك في التفكير   حينما اهتز هاتفه، وقطع حبل أفكاره، كانت تلك المكالمة التي ظل ينتظرها لأيامٍ عدة. أجاب: - "ألو، آمل أن لديك أخبارًا جيّدة هذه المرة!" - "في الواقع يا نيكولاس، اتصلت بك لأنني أريد التحدث إليك هنا في مركز الش

النقيض: مقدمة.

 في زمنٍ ما، في مكانٍ ما، يقبع سجينًا لحجرته المظلمة، خالية سوى من سرير متهالك في نهايتها وكرسي قد تموضع منتصفها، ومصباح وحيد قد توسط سقفها ويكاد أن يتسلل ضوءه لزواياها وبعض أجزائها، لا يعلم في أي ساعة أو في يومٍ من الشهر، أو أي فصلٍ من فصول السنة هو، لم يكترث لمعرفة هذه الأمور، قضيته العظمى كانت أمرًا واحدًا فقط، سؤالٌ واحدٌ فقط، ظل يسأل نفسه ويتساءل حوله لأيام، شهور، وربما سنوات، لم يعد يقدر على عد الأيام، حجرته المعتمة منعته من الشعور بمرور الوقت، لطالما ظن أن كل تلك الأيام التي قضاها في غرفته المعزولة كانت كذبة، هو لم يقضِ سوى يومٍ واحدٍ فيها، يُعاد ويتكرر في كلّ مرّة. في كل يوم وفي نفس التوقيت، يُسمع صوت صرير الباب وهو يُفتح ويظهر ذات الرجل، يعلم يقينًا من يكون رغم غياب وجهه في انصاف الظلمة، يتقدّم إليه بخطوات بطيئة وصدى فردتيّ حذائه وهي تضرب بالأرضية تعلو وتزيد في كل خطوة يقترب فيها منه. في اللحظة التي يسقط فيها ضوء المصباح الوحيد في الحجرة وينجلي وجهه يتناول الكرسي ويجلس أمامه مباشرة، يخلع نظارته وينظّفها بطرف قميصه قبل أن يعاود ارتداءها، يشبّك يديه ويضعهما تحت ذقنه، ثم ينطق ب
   اعتدت رائحة الأوراق، الحبر، والألوان، الرائحة التي تميّز تلك الغرفة عن غيرها، أقلامه المبعثرة على الطاولة، اللوحات المعلّقة على كلّ جزءٍ من جدرانها، أرضيّتها البيضاء المليئة ببقع من ألوان مختلفة، ليس مستغربًا من مرسم رسّام ينسى إغلاق علب ألوانه، ويرمي فرشه أرضًا بعد أن ينته من رسم لوحته. في الجهة اليمنى للغرفة يعلّق أغرب لوحاته، أو هذا ما أعتقده، جميع لوحاته التي علّقها على ذلك الحائط كانت إمّا لأشخاصٍ بأعضاءٍ مفقودة، بلا عين أو أنف أو رقبة، أو بأعضاءٍ زائدة، لكن صدّقوني فهي الأكثر بشاعة. كان شخصًا واحدًا ذلك الذي أعاد رسمه مرّات ومرّات، لولا هندامه الأنيق وشعره الممشوط لما عرفته، فهو لم يرسم لوحةً كاملة له ومتأكدةٌ بأنني لن أعرفه إن فعل، كان يرسمه بنصف ملامح، أنف وفاه بدون عينين أو حاجبين، أحيانًا أخرى كان يرسم عينيه فقط، قد يبدو ذلك مرعبًا، لكنني اعتدت على رؤية ذلك النوع من لوحاته وكنت أجده مضحكًا، وأكثر لوحة أضحكتني هي تلك التي رسمها له بدون أي ملامح. أخبرني أن اسمه (كريستوفر)، وحينما سألته عن سبب رسمه له بتلك الطريقة، أجابني بأنه يكرهه ويستحق ذلك لأنه شخص سيء ومخادع، رغم مظه